قضى ليون بطل الدوري الفرنسي لكرة القدم الأعوام الماضية باحثاً حول العالم عن مهاجم كبير يتربع على عرش الهدافين في موازاة عدم تنازله عن صدارته للبطولة لستة أعوام متتالية (رقم قياسي)، وقد بقي لقب الحذاء الذهبي بعيداً عن خزائن النادي الذي لم يكن مدركاً أن هدافه المنشود موجود داخل أروقته ينتظر فرصته لإعادة تسطير المشهد التهديفي "الغزير" للبرازيلي الفذ سوني اندرسون هداف "ليغ 1" موسمي 2000 و2001 (سجل 23 و22 هدفاً على التوالي). 12 هدفاً وضعت كريم بنزيمة على رأس هدافي فرنسا بعد المرحلة السادسة عشرة، فبدأت تنتفي عن ليون المقولة السائدة بأنه لم يكن يملك مهاجما كبيراً طوال الأعوام التي فرض فيها سيطرته على مكامن البطولة المحلية، حيث لعب خط الوسط بقيادة البرازيلي جونينيو والأجنحة التي شغلها سيدني غوفو وفلوران مالودا الدور الأكبر في عملية هز الشباك، فبقي مهاجمون من طينة البرازيلي الآخر جيوفاني البير والنروجي جون كارو والتشيكي ميلان باروش وغيرهم في ظل زملائهم الذين يشغلون الخطوط الخلفية. إلا أن الحال اختلفت مع انطلاق الموسم الجديد، وأصابت توقعات مدرب منتخب فرنسا الذهبي بطل العالم عام 1998 ايميه جاكيه الذي راهن الصيف الماضي على أن بنزيمة ومعه رفيقه الدائم حاتم بن عرفة سيفجران موهبتهما في شكل لم يقدم عليه أي لاعب ناشئ منذ فترة طويلة وتحديداً منذ بروز جيبريل سيسيه هدافاً واعداً مع اوكسير. أمل الكرة الفرنسية
إذا على أبواب بطولة كأس الأمم الأوروبية 2008 التي تستضيفها النمسا وسويسرا في الصيف المقبل، يتكلم الفرنسيون عن بنزيمة وبن عرفة دون سواهم على أنهم أمل الكرة الفرنسية في البطولة القارية، وذلك بعدما لعبا دوراً مؤثراً في حجز بطاقة التأهل إلى النهائيات، إضافة إلى مساهمتهما في مواصلة ليون لصدارته وانتصاراته في مسابقة دوري أبطال أوروبا. ويبدو لافتاً أن بنزيمة (20 عاما) وبن عرفة (20 عاماً) يقفان اليوم في قلب إستراتيجية ناديهما والمنتخب الفرنسي للمستقبل، وقد أدخلا دماء جديدة إلى كليرفونتين مقر "الديوك" حيث ينهال عليهما الثناء من الجميع، إذ بدا لافتاً أنه عند تقديم المدرب الوطني ريمون دومينيك إلى تييري هنري قميصاً كتب عليه الرقم 43 في إشارة إلى تحطيمه رقم ميشال بلاتيني القياسي في عدد الأهداف الدولية المسجلة مع فرنسا، قال الأول: "هذا الرقم بين يدي بنزيمة الآن"، واضعاً الأخير أمام مسؤولية كبيرة على أنه الخليفة المنتظر لمهاجم برشلونة الإسباني الذي قال بدوره: "كريم وحاتم وسمير نصري هم المستقبل". وبالطبع يحتكر بنزيمة في الفترة الحالية العناوين العريضة على الصفحات الأولى للمطبوعات الرياضية العديدة في فرنسا، ويثير حشرية الصحافيين الأوروبيين الذين ربطوه بنصف النوادي الكبرى في القارة العجوز وعلى رأسها فريقه المفضل ريال مدريد الإسباني، وذلك بعدما ثبت أقدامه سريعاً على الساحة الدولية مسجلاً ثلاثة أهداف في ثماني مباريات. ورغم أنه من المبكر الحديث عن إمكان تحول بنزيمة إلى ظاهرة حقيقية على غرار مثاله الأعلى البرازيلي رونالدو، فإنه في حكم المؤكد أن فوزه بلقب الهداف هذا الموسم سيجعله أصغر لاعب يحرز اللقب في تاريخ الدوري الفرنسي. واللافت أن هذا الشاب صاحب البنية الجسدية التي تفوق عمره قد حافظ على تواضعه رغم تهافت وسائل الإعلام عليه يومياً، قائلاَ: "رغم وفرة الأهداف التي سجلتها فان هدفي الأول حالياً هو إبقاء قدمي على الأرض لأنه لا أعتقد أنني حققت شيئاً يذكر في الأشهر القليلة الماضية". تألق بنزيمة استدعى إجراءاً سريعاً من رئيس ليون جان ميشال اولاس الذي حذر جميع المهتمين من التودد إلى نجمه الصغير، مؤكداً أن الوقت لا يزال باكراً لرحيله وخصوصاً أنه احتل حديثاً مركزا أساسياً في الفريق، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على بن عرفة الذي شكل مع الأول ونصري المثلث الرهيب في كأس أوروبا للناشئين (دون 17 عاماً) عام 2004 عندما أحرزت فرنسا اللقب. وبن عرفة الذي كان آخر المنضمين من بين الثلاثة المذكورين إلى المنتخب الأول، شق بدوره طريقه في ليون بعدما فرغ مركز الجناح الأيسر بانتقال مالودا إلى تشلسي الإنكليزي، ويقول عنه نصري بأنه الأكثر موهبة بينهم "ومع اعتياده على ضغط المباريات الدولية سيتحول النجم الأول للمنتخب الفرنسي". رابطة عربية قوية
وطبعاً، تظهر الرابطة قوية بين الثلاثي المذكور، على الأقل انطلاقاً من أصولهم العربية حيث يتحدرون من المغرب العربي (بنزيمة ونصري من الجزائر وبن عرفة من تونس)، إلى ترعرعهم سوياً في منتخبات الفئات العمرية، علما أن بنزيمة وبن عرفة شكلا ثنائياً في أكاديمية ليون منذ سن الخامسة عشرة، رغم أن الأول ولد في ليون والثاني قدم من العاصمة باريس حيث أبصر النور وقضى طفولته يشاهد أشرطة الفيديو الخاصة بملهمه الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي تعلم منه جميع المهارات والخدع على حد قوله. إذا صوت الجيل الجديد في الكرة الفرنسية يعلو فوق الجميع، والفرنسيون يتكلمون العربية مجدداً بعدما أضحت أسماء بنزيمة وبن عرفة ونصري على كل لسان، حيث يحلم مشجعو الأزرق بالتظاهر مجدداً في جادة الشانزليزيه احتفالاً بلقب كبير آخر افتقدوه منذ قيادة المهاجر الأفضل عبر التاريخ زين الدين زيدان "الديوك" إلى كأس العالم 1998 وكأس الأمم الأوروبية عام 2000. |